القائمة الرئيسية

الصفحات

ليست العبره في ان تكون غنيا بل العبره في ان تكون نافعا ومحبوبا

قلم- طارق محمد

المال هو وسيلة لتحقيق الأهداف والرغبات في الحياة، ولكنه ليس هو الهدف بحد ذاته. فالمال لا يضمن السعادة ولا يكفي لبناء العلاقات الإنسانية الجيدة. بل قد يكون سبباً في الفساد والظلم والطغيان والحرمان. لذلك، ليست العبرة في أن تكون غنياً بل في أن تكون نافعاً ومحبوباً. فالإنسان النافع هو الذي يستخدم ماله ومواهبه وقدراته في خدمة الآخرين والمجتمع، ويساهم في نشر الخير والعدل والسلام. والإنسان المحبوب هو الذي يحظى بتقدير واحترام وثقة من حوله، ويتعامل معهم بأخلاق وصدق وكرم. هؤلاء هم الأغنياء الحقيقيون، فهم يمتلكون ثروة لا تفنى ولا تزول، بل تزداد كلما أنفقوا منها. في هذه السطور سنتحدث عن أهمية الغنى الروحي على الغنى المادي، وكيف يمكن للإنسان أن يصبح نافعاً ومحبوباً في حياته. الغنى الروحي هو حالة من الرضا والسلام والهدوء التي تنعم بها النفس بعيداً عن القلق والحزن والخوف. هو مستوى من الوعي والتواصل مع الله -سبحانه وتعالى- ومع الذات ومع الآخرين. هو مصدر للسعادة والفرح والأمل في الحياة. هو ثروة لا تقدر بثمن ولا تفنى بزوال المال أو الجسد. يتجسد الغنى الروحي باشكال متنوعة، فهناك غنى بالإيمان والتقوى والطاعة، وغنى بالعلم والحكمة والفهم، وغنى بالصبر والشكر والرضا، وغنى بالحب والرحمة والتسامح، وغنى بالإبداع والابتكار والتميز، وغنى بالخير والجود والإحسان، وغيرها من أنواع الغنى الروحي التي تزيد من قيمة الإنسان وترفع من شأنه. ان تكون غنيا بروحك مقدم على غناك المادي أهمية الغنى الروحي في الحياة كبيرة جداً، فهو يساعد على تحقيق التوازن بين المادي والمعنوي، وبين الجسدي والروحي. فلا يكفي أن يكون الإنسان غنياً بالمال أو بالجسد، إذا كان فقيراً بالروح أو بالقلب. فقد قيل: "لا يغني المرء ما في جيبه إذا كان فقير ما في قلبه". كما أن الغنى الروحي يمكِّن الإنسان من مواجهة التحديات والصعاب التي تقابله في حياته، بصبر وثبات وإيجابية. فلا يستسلم لليأس أو للضغط أو للخوف. بل يستمد قوته من ربه -سبحانه- ومن نفسه. كما أن الغنى الروحي يجعل الإنسان أكثر اجتماعية وتفاعلاً مع محيطه، فلا يعيش في عزلة أو انطواء. بل يشارك في خدمة المجتمع وتطويره، ويتصف بأخلاق حميدة تجذب إليه المحبة والثقة من الآخرين. الغنى المادي هو حالة من الامتلاك والتملك للمال والمقتنيات التي تلبي حاجات الإنسان الجسدية والمادية. هو مستوى من الرفاهية والراحة والترف التي تسهل على الإنسان حياته وتزيل عنه الهموم والمشقات. هو مصدر للقوة والنفوذ والشأن في المجتمع. أسباب الغنى المادي كثيرة ومتعددة، فهناك من يحصل على الغنى بالوراثة أو بالزواج أو بالقرعة أو بالحظ. وهناك من يحصل على الغنى بالعمل والجهد والاستثمار والتجارة والصناعة والزراعة. وهناك من يحصل على الغنى بالنهب والسرقة والغش والرشوة والاستغلال. فلا يساوي الغنى بين الأشخاص، فهناك غنى حلال مبارك، وهناك غنى حرام ملعون. مخاطر الغنى المادي عديدة وخطيرة، فهو قد يؤدي إلى التبذير والإسراف والترفه والتسامح في المعاصي. فقد قيل: "إذا كثر المال كثرت الشهوات". كما قد يؤدي إلى الكبر والغرور والانانية والظلم والطغيان. فقد قيل قديما : "إذا زاد المال زاد الجبر". كما قد يؤدي إلى الجهل والضلال والإعراض عن ذكر الله تعالى. فقد قيل في سورة العلق: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾ حدود الغنى المادي في تحقيق السعادة هي أن يكون مصحوبًا بغنى روحي، أي بإيمان بالله تعالى، وشكر نعمه، وطاعة أوامره، وبر خلقه، وإحسان إلى خلقه. فإذا كان الغنى مباركًا، نافعًا، مفيدًا، فهو سبب للسعادة في الدارين. أما إذا كان الغنى مطغيًا، مضلًّا، مفسدًا، فهو سبب للشقاء في الدارين. فقد قيل في سورة المؤمنون: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ﴾ الإنسان يمكن أن يكون نافعًا بماله ومواهبه وقدراته إذا استخدمها في خدمة الله تعالى ورسوله ودينه وأمته وإنسانيته. ولذلك يجب على الإنسان أن يتحلى ببعض الصفات والأخلاق التي تجعله قويًا في شخصيته وفي علاقته مع الآخرين، ومن هذه الصفات: - الإخلاص لله تعالى في كل ما يقول ويفعل، فالإخلاص هو سر النجاح والتوفيق في الدنيا والآخرة. - الاستماع جيدًا للآخرين وإيلاء الاهتمام لآرائهم ومشاكلهم وحاجاتهم، فالاستماع هو مفتاح التواصل والتفاهم والتعاون. - إتقان أساليب الحوار والنقاش والإقناع، وتقديم المعلومة بصورة صحيحة وواضحة، دون محاولة فرض الرأي بالقوة أو الغش أو التزوير. - التعرف على أشخاص جدد من ثقافات مختلفة، والانفتاح على المجتمعات المحيطة، والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم، دون التغيير عن مبادئ الدين والأخلاق. - الاهتمام بلغة الجسد، فهي تعبر عن حالة الإنسان النفسية والروحية، فالسير باستقامة والجلوس برصانة والنظر في عيون المتحدث تدل على الثقة بالنفس والإحترام للآخر. - الصدق في القول والفعل، فالصدق هو سبيل الفلاح في كل شأن، فلا يجب أن يكذب الإنسان على نفسه أو على غيره، أو أن يجامل بكلام لا يعتقده، أو أن يخاف من قول الحق. - امتلاك الرأي الخاص، فكل إنسان لديه قدرة على التفكير والابتكار، فلا يجب أن يقلد الآخرين بلا تمييز، أو أن يستسلم للضغوطات المحيطة به، بل يجب أن يعبر عن آرائه بشجاعة وحكمة، مع احترام آراء الآخرين وتقبل النقد البناء. - زيادة العلم والمعرفة، فالعلم هو نور يهدي إلى كل خير، فلا يجب أن يكتفي الإنسان بما تعلمه في المدرسة أو الجامعة، بل يجب أن يطور من نفسه باستمرار، وأن يقرأ كتبًا مفيدة في مختلف المجالات، أو أن يشارك في دورات تثقيفية تزيد من خبراته. - تجنب المقارنة بين نفسه وبين الآخرين، فكل إنسان لديه نقاط قوة وضعف، فلا يجب أن يغتر بمظاهر الغير من مال أو جاه أو شكل، بل يجب أن يركز على تطوير نفسه، وأن يشكر الله على ما أعطاه من نِعَمٍ. - الاهتمام بالمظهر الخارجي، فالإنسان لابد أن يظهر بشكل لائق وأنيق، دون إسراف أو تكبر، فالمظهر هو انعكاس لحالة الإنسان من داخل، فلا يجب أن يغفل على نظافته أو صحته أو مظهره. - التمتع بالحزم والإصرار في تحقيق ما يصبو إليه من غايات شريفة، فلا يجب أن يستسلم للكسل أو التشاؤم أو المشكلات التي تعترض طريقه، بل يجب أن يثابر على ملازمة المشروع حتى إتمامه. مثال سيد قطب لأشخاص نافعين : كان كاتبًا وأديبًا مصريًا رائدًا في حركة التجديد في الإسلام. كان لديه قدرات عظيمة في التحليل والإبداع. استخدم قلمه في نشر دعوته إلى إحياء التوحيد في حياة المسلمين. كان من رواد التفسير المؤثر. كتب كثير من المؤلفات في مجالات مختلفة. من أشهر كتبه: "في ظلال القرآن. الإنسان يمكن أن يكون محبوبًا بأخلاقه وصدقه وكرمه إذا اتبع بعض النصائح والسلوكيات التي تجعله مقبولًا ومحترمًا بين الناس، ومن هذه النصائح: - احترام الذات والآخرين، وعدم التعالي أو التكبر على أحد، والتعامل مع الجميع بلطف وود. - تقديم المساعدة لمن يحتاجها، والتضامن مع المظلومين، والتبرع بالمال أو الجهد في سبيل الخير. - الصدق في القول والفعل، وعدم الكذب أو الغش أو الخيانة، والوفاء بالعهود والوعود. - الاستماع جيدًا للآخرين، وإيلاء الاهتمام لآرائهم ومشاعرهم، وعدم مقاطعتهم أو تجاهلهم. - الإيجابية في التفكير والتصرف، والابتعاد عن الشكوى والتذمر، ونشر البسمة والسرور بين الناس. - لغة الجسد اللائقة، والتي تشمل الابتسامة، والنظر في عيون المتحدث، والسير باستقامة، والجلوس برصانة. - المجاملة الصادقة، والتي تشمل إطراء الآخرين على مظهرهم أو مواهبهم أو إنجازاتهم، دون مبالغة أو كذب. - إظهار الاهتمام بالآخرين، وذلك بتذكر مناسباتهم الشخصية، وتقديم الهدايا لهم، وزيارتهم في المرض أو المصيبة. - زيادة العلم والثقافة، فالإنسان المثقف هو إنسان محبوب لأنه يضيف قيمة للحديث، ويستطيع التحدث في مختلف المجالات. - تجنب المقارنة بين نفسه وبين الآخرين، فكل إنسان لديه نقاط قوة وضعف، فلا يجب أن يغتر بأشخاص يظهرون بشكل أفضل منه، أو يحسد من هو أفضل منه. - رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خير خلق الله عز وجل، كان يحب المساكين والأيتام، كان صادقًا أمينًا قبل نزول الوحي عليه. كان يغض طرفه عن المحارم. كان يغار على دينه. كان يستغفر ربه في كل حين. كان يصبر على المشقات في سبيل نشر دعوته. كان رحيمًا رؤوفًا بأصحابه. كان يضحك دائمًا. كان يغضب لأجل ربه. كان يغفر لأعدائه. كان يستشير أصحابه في كثير من الأمور. كان يكرم ضيوفه. كان يبر بأقاربه. - عثمان بن عفان رضي الله عنه: كان من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان ثالث خليفة للمسلمين. كان غزير المال فأنفق جزءًا كبيرًا من ثروته في سبيل الإسلام. كان حياء من حياء رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان حافظًا لكتاب الله تعالى. كان شديد التورع على نفسه. كان حسن المظهر جدًا. ختامًا، نستطيع أن نقول أن الإنسان لا يعيش بالمال وحده، بل يحتاج إلى الروح والقلب أيضًا. فالمال هو وسيلة للحياة، وليس هدفًا لها. والروح هي ما تميز الإنسان عن باقي المخلوقات، وتربطه بخالقه. والقلب هو ما يجعل الإنسان يشعر بالمحبة والسعادة والرضا. لذلك، يجب على الإنسان أن يسعى إلى التوازن بين الغنى المادي والروحي، وأن يستخدم ماله ومواهبه وقدراته في خدمة الله تعالى ورسوله ودينه وأمته وإنسانيته. فبذلك يكون نافعًا لنفسه ولغيره، ومحبوبًا بأخلاقه وصدقه وكرمه. والله تعالى هو الموفق والمستعان. قلم - طارق محمد

تعليقات