طارق محمد
تصور أن من أكبر الأخطاء التي عانتها الجالية التشادية منذ بدايتها هنا في السعودية تكمن في أن عملية الربط بالبلد المنشأ فقدت منذ الجيل الأول ومنذ ذلك الحين نشأت هناك فئات كبيرة من الشباب شبه المغيب عن أرض وتراب وطنه وتحول بكامل فكره ووجدانه نحو وطن أخر عاشوا فيه جل أعمارهم عدا تلكم القلة القليلة وهم في الحقيقة أقلية هي التي تداركت هذا الوضع وأيقنت به وأممنت زيارات لأطفالهم بغية إستكشافهم موطنهم وهؤلاء نسبتهم قليلة بحكم ظروف المعيشة والعمل المقدم على تلكم الزيارات وبإعتبارها مضيعة للوقت والمال وثم يرحل الأب إلى الوطن لقضاء بعض حوائجه وزيارة أقاربه أو يطمئن على أملاكه إن كان صاحب أملاك أو على نسائه إن كان صاحب نساء (مزواج) عدا ذلك يبقى الأبناء في جهل محكم لست لديهم أي تصور عن بلد منشأ أجدادهم . إذن نستعرض بعض الأسباب التي ساعدت على إستحكام هذه الظاهرة والتي بدورها جعلت كثيرين من الشباب يفتقدون لروح الإنتماء ، فأول سبب يمكن أن أستشفه من هذه الظاهرة هي بالدرجة الأولى الجهل بالمصير كون الأباء مرتاحين من ناحيتهم على أساس أنهم من تنشئة بلدهم فليست هناك أية مشكلة في مقاطعة وطنهم والعودة إليه بعد سنين طويلة ولكن العلة تكمن في أن الأبناء يشب أعوادهم بعيدا عن بلدهم ولا تكون لديهم أدنى تصور عن بلادهم المفترض هذه نقطة .ونقطة أخرى أسطرها عن مجمل ما رأيت من أسباب فبعد قضية الجهل بالمصير تأتي أيضا بالتزامن خوفهم على فلذات أكبادهم وعدم إستطحابهم في زيارة أو إرسالهم في ظل الأوضاع المعيشة السيئة ناهيكم عن تردي الأحوال السياسية هناك حيث كانت الحروب تعصف بتشاد وحتى بعد إستحكام الأمور للرئيس إدريس ديبي عام 1991م كانت المعارك لاتزال تشتعل بين الحين والأخر من طوائف التمرد ومحاولات الإنقلاب على العرش ومع خبو سعير المشاحنات بعض الشيئ كانت الجالية قد إعتادت عيشة المهجر الهانئة المفعمة بمقومات الحياة . أيضا هناك سبب مهم آخر لا ينبغي تجاهله وهيا (الدعاية المتذمرة) المقدمة من قبل أولائك الذين تم ترحيلهم ثم عادوا بعد ذالك بالنشرات ونشر الفوضى الخلاقة في وعي أقرانهم من الشباب في المجالس والدكات والمراكيز مما أدى إلى رسم صورة قاتمة لتشاد عن قصد أو بغير قصد منهم ، أذكر مرة تحدثت مع شاب عاد إلى المملكة بعد ترحيله سألته عن الوضع هناك متأملا كلاما أثلج به صدري ولكن ياللحسرة رد علي بدعاء غريب جدا قال (الله لايودي مسلم هناك) للأسف الشديد هذا كان رده لتتخيلوا معي مدى أثر تلك الدعاية وما جواب هذا الشخص إلا نموذج واحد من تلك الحالة (الدعاية المتذمرة) .خلاصة الموضوع هي أن معاناة التشاديين هنا في المملكة السعودية يعود جزء منه نتيجة لتلك العوامل التي ذكرت ورسالة مابين السطور الماثلة أمامنا الآن أن نتدارك الوضع .ونأمل أن تتحسن الصورة مستقبلا من أجل أن لا نقع في هذه الغلطة الكبيرة وتثمر جيل يزهو بروح الإنتماء والوطنية .
تعليقات
إرسال تعليق